تستأنف الولايات المتحدة وكوريا الشمالية المفاوضات، في أعقاب اللقاء المفاجئ بين الرئيس دونالد ترامب، والزعيم الكوري كيم جونج أون، نهاية الأسبوع الماضي. ومع أن المفاوضات تتجدد أيضاً الاختلافات داخل الإدارة الأميركية، بشأن سياستها تجاه بيونج يانج، لكن الحقيقة أن الديناميات الأساسية ليست جديدة، وما نشهده الآن هو عودة إلى فكرة «النهج التدريجي»، المعروف بـ«الصفقة المحدودة»، وهي المسار الدبلوماسي الوحيد الذي يمكن أن تكون له فرصة النجاح.
ونعلم أن الإدارة الأميركية، ويقودها في هذه القضية وزير الخارجية «مايك بومبيو»، والممثل الخاص «ستيفن بيجون»، تعود إلى النهج المرحلي والتصاعدي، في محاولة لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية. ونعلم بصورة أساسية، ذلك لأن «كيم» رفض عرض ترامب بإبرام «صفقة كبرى»، تنطوي على نزع كامل للأسلحة النووية في مقابل تطبيع اقتصادي، في قمتهما بمدينة «هانوي» الفيتنامية، في فبراير الماضي. وليست ثمة دلالة على أن «كيم» سيقبل ذلك الآن. والنتيجة المنطقية هي أن المفاوضات ستركز على اتفاق أقل من النزع الكامل للسلاح النووي، كخطوة انتقالية.
ونعلم ذلك أيضاً، لأن هذا ما قاله «بيجوم» في تصريحات سرّية، أثناء عودته من كوريا الجنوبية، ونقلتها بعض التقارير الإعلامية، يوم الأربعاء الماضي، نقلاً عن مصادر لم تُسمها. وأوضح «بيجوم»: «باختصار ليست لدينا نية لتخفيف العقوبات قبل نزع السلاح النووي»، لكن هناك أموراً يمكننا القيام بها في هذه الأثناء، «مثل تقديم مساعدات إنسانية، وتحسين العلاقات الدبلوماسية، إذا اتخذت كوريا الشمالية بعض الإجراءات صوب نزع السلاح النووي».
ونُقل عن «بيجوم» قوله: «إذا ما أعطونا 20 سلاحاً نووياً على سبيل المثال، فسأذهب إلى وزير الخارجية، وهو بدوره سيذهب إلى الرئيس، وننظر في الأمر، فنحن نريد إحراز تقدم».
وأكد أن الإدارة أرادت «تجميداً كاملاً للبرنامج النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، أثناء المفاوضات، لكن هذا المطلب قائم منذ وقت طويل، ولن يكون كافياً لكي ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن بيونج يانج»، وقد أساء كثيرون تفسير قصة «نيويورك تايمز»، المنشورة يوم الأحد الماضي، واعتبروا أن الإدارة غيرت سياساتها، ويدرس المسؤولون الآن تجميد البرامج النووية لكوريا الشمالية باعتبارها هدفاً نهائياً، على رغم من أن المقال أوضح أن هذه ستكون خطوة أولى «مهمة» لكن محدودة، وقاد العنوان، الذي زعم أن الولايات المتحدة قد ترضى بتجميد نووي من قبل كوريا الشمالية، آخرين إلى استنتاج أن الإدارة تخلت عن هدف النزع الكامل للسلاح النووي. وغذى ترامب هذه التكهنات بعدم ذكره النزع الكامل للسلاح النووي، أثناء زيارته إلى المنطقة منزوعة السلاح.
وأجج المقال أيضاً، جولة جديدة من الخلافات الداخلية بشأن السياسات. فمستشار الأمن القومي، «جون بولتون»، غرّد في طريق عودته من منغوليا قائلاً: إنه لا هو ولا أي من فريق مجلس الأمن القومي ناقشا أية رغبة في (التوصل إلى تسوية بناء على تجميد البرنامج النووي لكوريا الشمالية). واتهم المسرّبون بمحاولة «تحجيم» ترامب، في إشارة مبطّنة لوزارة الخارجية.
ولم يكن المقصود من تغريدة «بولتون» تأكيد أو نفي مقال «نيويورك تايمز»، وإنما أراد التأكيد على أن «مجلس الأمن القومي» لم يكن جزءاَ من ذلك. وبالنسبة لـ«بولتون»، المطلوب هو اتفاق شامل أو لا شيء. وكان أيضاً يشير إلى أن ترامب لم يصادق على فكرة «الاتفاق المحدود»، وهو أمر صحيح، لكن الرئيس قال إنه منفتح على الفكرة، بعد لقائه في أبريل الماضي، مع رئيس كوريا الجنوبية «مون جاي إن».
وليس سرّاً، أن فريق «بيجوم» يعمل على تلك الخطوة المرحلية. وهذا هو ما كان يعمل عليه قبل أيام فقط من قمة «هانوي». وتحدث «بومبيو» علانيةً، عن احتمال منح بيونج يانج بعض التنازلات، إذا ما تم «إحراز تقدم جوهري» من الناحية الدبلوماسية. ويعني ذلك أنه لم يتم عرض شروط مقبولة على كوريا الشمالية حتى الآن.
فهل من الممكن أن يعمل «بومبيو» و«بيجوم» مع المفاوضين من كوريا الشمالية، على إيجاد اتفاق مرحلي يجعل أميركا أكثر أمناً من دون تقديم تنازلات مبالغ فيها؟ هذا هو بالتحديد ما ستدور حوله المفاوضات. وسيكون من غير المنطقي أن نمنعهما من استكشاف ما يمكن التوصل إليه.
وتخشى أجهزة الاستخبارات الأميركية، من أن «كيم» ليست لديه نية نزع السلاح النووي نزعاً كاملاً على أية حال، لذا، فإن التوصل إلى اتفاق محدود هو ربما كل ما يمكننا التوصل إليه.
لكن إذا كان الاختيار بين الحصول على كل شيء أو لا شيء، فإن النتيجة ستكون حتماً نهاية سريعة للدبلوماسية والعودة إلى سياسة أقصى ضغط، وتصعيد التوترات، والتصريحات النارية، واحتمال الصراع. وإذا أخفقت المفاوضات، فهذا ما سنعود إليه على أية حال.
وعلى رغم من ذلك، تبدو الفرص ضعيفة في أن يتمكن «بومبيو» و«بيجوم» من التوصل إلى اتفاق محدود وجيد، بما يكفي ليدافع عنه ترامب علانيةً، لكن لا بد أن نسمح لهما بالمحاولة.
*محلل سياسي أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
ونعلم أن الإدارة الأميركية، ويقودها في هذه القضية وزير الخارجية «مايك بومبيو»، والممثل الخاص «ستيفن بيجون»، تعود إلى النهج المرحلي والتصاعدي، في محاولة لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية. ونعلم بصورة أساسية، ذلك لأن «كيم» رفض عرض ترامب بإبرام «صفقة كبرى»، تنطوي على نزع كامل للأسلحة النووية في مقابل تطبيع اقتصادي، في قمتهما بمدينة «هانوي» الفيتنامية، في فبراير الماضي. وليست ثمة دلالة على أن «كيم» سيقبل ذلك الآن. والنتيجة المنطقية هي أن المفاوضات ستركز على اتفاق أقل من النزع الكامل للسلاح النووي، كخطوة انتقالية.
ونعلم ذلك أيضاً، لأن هذا ما قاله «بيجوم» في تصريحات سرّية، أثناء عودته من كوريا الجنوبية، ونقلتها بعض التقارير الإعلامية، يوم الأربعاء الماضي، نقلاً عن مصادر لم تُسمها. وأوضح «بيجوم»: «باختصار ليست لدينا نية لتخفيف العقوبات قبل نزع السلاح النووي»، لكن هناك أموراً يمكننا القيام بها في هذه الأثناء، «مثل تقديم مساعدات إنسانية، وتحسين العلاقات الدبلوماسية، إذا اتخذت كوريا الشمالية بعض الإجراءات صوب نزع السلاح النووي».
ونُقل عن «بيجوم» قوله: «إذا ما أعطونا 20 سلاحاً نووياً على سبيل المثال، فسأذهب إلى وزير الخارجية، وهو بدوره سيذهب إلى الرئيس، وننظر في الأمر، فنحن نريد إحراز تقدم».
وأكد أن الإدارة أرادت «تجميداً كاملاً للبرنامج النووي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، أثناء المفاوضات، لكن هذا المطلب قائم منذ وقت طويل، ولن يكون كافياً لكي ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن بيونج يانج»، وقد أساء كثيرون تفسير قصة «نيويورك تايمز»، المنشورة يوم الأحد الماضي، واعتبروا أن الإدارة غيرت سياساتها، ويدرس المسؤولون الآن تجميد البرامج النووية لكوريا الشمالية باعتبارها هدفاً نهائياً، على رغم من أن المقال أوضح أن هذه ستكون خطوة أولى «مهمة» لكن محدودة، وقاد العنوان، الذي زعم أن الولايات المتحدة قد ترضى بتجميد نووي من قبل كوريا الشمالية، آخرين إلى استنتاج أن الإدارة تخلت عن هدف النزع الكامل للسلاح النووي. وغذى ترامب هذه التكهنات بعدم ذكره النزع الكامل للسلاح النووي، أثناء زيارته إلى المنطقة منزوعة السلاح.
وأجج المقال أيضاً، جولة جديدة من الخلافات الداخلية بشأن السياسات. فمستشار الأمن القومي، «جون بولتون»، غرّد في طريق عودته من منغوليا قائلاً: إنه لا هو ولا أي من فريق مجلس الأمن القومي ناقشا أية رغبة في (التوصل إلى تسوية بناء على تجميد البرنامج النووي لكوريا الشمالية). واتهم المسرّبون بمحاولة «تحجيم» ترامب، في إشارة مبطّنة لوزارة الخارجية.
ولم يكن المقصود من تغريدة «بولتون» تأكيد أو نفي مقال «نيويورك تايمز»، وإنما أراد التأكيد على أن «مجلس الأمن القومي» لم يكن جزءاَ من ذلك. وبالنسبة لـ«بولتون»، المطلوب هو اتفاق شامل أو لا شيء. وكان أيضاً يشير إلى أن ترامب لم يصادق على فكرة «الاتفاق المحدود»، وهو أمر صحيح، لكن الرئيس قال إنه منفتح على الفكرة، بعد لقائه في أبريل الماضي، مع رئيس كوريا الجنوبية «مون جاي إن».
وليس سرّاً، أن فريق «بيجوم» يعمل على تلك الخطوة المرحلية. وهذا هو ما كان يعمل عليه قبل أيام فقط من قمة «هانوي». وتحدث «بومبيو» علانيةً، عن احتمال منح بيونج يانج بعض التنازلات، إذا ما تم «إحراز تقدم جوهري» من الناحية الدبلوماسية. ويعني ذلك أنه لم يتم عرض شروط مقبولة على كوريا الشمالية حتى الآن.
فهل من الممكن أن يعمل «بومبيو» و«بيجوم» مع المفاوضين من كوريا الشمالية، على إيجاد اتفاق مرحلي يجعل أميركا أكثر أمناً من دون تقديم تنازلات مبالغ فيها؟ هذا هو بالتحديد ما ستدور حوله المفاوضات. وسيكون من غير المنطقي أن نمنعهما من استكشاف ما يمكن التوصل إليه.
وتخشى أجهزة الاستخبارات الأميركية، من أن «كيم» ليست لديه نية نزع السلاح النووي نزعاً كاملاً على أية حال، لذا، فإن التوصل إلى اتفاق محدود هو ربما كل ما يمكننا التوصل إليه.
لكن إذا كان الاختيار بين الحصول على كل شيء أو لا شيء، فإن النتيجة ستكون حتماً نهاية سريعة للدبلوماسية والعودة إلى سياسة أقصى ضغط، وتصعيد التوترات، والتصريحات النارية، واحتمال الصراع. وإذا أخفقت المفاوضات، فهذا ما سنعود إليه على أية حال.
وعلى رغم من ذلك، تبدو الفرص ضعيفة في أن يتمكن «بومبيو» و«بيجوم» من التوصل إلى اتفاق محدود وجيد، بما يكفي ليدافع عنه ترامب علانيةً، لكن لا بد أن نسمح لهما بالمحاولة.
*محلل سياسي أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»